بالعودة بالتاريخ إلى تسعينات القرن الثامن عشر وماقبل ذلك، كانت الزراعة والصيد هي الوسيلة الوحيدة للبقاء، عاش الناس في تجمعات صغيرة، كلٌ يعمل على حماية منطقته من الأطماع والأعداء بما يملك من إمكانيات، وكانت القلاع والحصون هي إحدى وسائل الحماية الفاعلة حينها، والتي أخذت تطور من اعتمادها على الخشب والمقومات البسيطة المتوافرة إلى اعتمادها على الحجارة والطين لتكون قادرة على مقاومة قاذفات الحجارة والمدافع.
وكما يعرف عن أبوظبي بأنها أرض القلاع والحصون، إلا أن من بين الحصون المتعددة يقف صرح صامد مما يزيد عن قرنين، مكتسباً أهمية كبيرة، ليتحول اليوم إلى متحف وطني يروي فصول حكاية أبوظبي، ألا وهو قصر الحصن، فما الذي يميزه ويجعله وجهة لكل متعطش لمعرفة تاريخ الجزيرة؟
حكاية قصر الحصن من الفكرة إلى التأسيس
في ستينات القرن الثامن عشر مابين عامي 1760 و1761 تم وضع الحجر الأساس للقصر، حيث أمر حينها الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان ببناء برج مراقبة في واحات ليوا للمراقبة والتحكم بالطرق الساحلية بالجزيرة وحماية المجتمع الذي تشكل حول البرج، وصمم وقتها من أحجار البحر والمرجان ليكون قادراً على تحمل العوامل المناخية الصعبة. وفي فترة حكم الشيخ شخبوط بن ذياب بدأت أعمال التوسع ليتحول إلى حصن صغير، ففي الفترة بين 1793 و1850 بنيت المزيد من الأبراج وتم ربطها مع بعضها البعض، وتم بناء دفاعات سيطرت على طرق التجارة المجاورة. وتحول الحصن إلى مقر رسمي لسكن الحاكم ومقر للحرس. وبقي مقراً دائماً للحكم لغاية عام 1966 مع تسلم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد حكم أبوظبي، ليتحول إلى مركز إداري حتى منتصف التسعينات. وبقي القصر هو الأهم بين القلاع والحصون كونه القصر الأقدم في أبوظبي ومكان إقامة العائلة الحاكمة لما يزيد عن 200 عام.
تصميم قصر الحصن
يتألف القصر من (الحصن الداخلي) والذي يعود لعام 1795 وشكل مقراً للحكومة ومركزاً لتسيير شؤون البلاد، و(القصر الخارجي) الذي أضيف للقلعة في أربعينات القرن الماضي بين 1939 و1945 وفيه أجنحة خاصة بالشيخ شخبوط بن ذياب تستقطب السياح ليومنا هذا.
وللقصر أربع مكونات وهي : قصر الحصن، والمجمع الثقافي، والمجلس الاستشاري الوطني، وبيت الحرفيين المختص بحرف الساحل وهو مايرتبط بقرب الساحل من أبوظبي، فضلاً عن حرف من المنطقة الغربية، ويتم التعاون مع دول أخرى لعرض منتجاتها اليدوية للبيع.
متحف يروي فصول الحكاية
افتتح قصر الحصن أبوابه أمام الزائرين في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2018، كمتحف يحتضن بين جدرانه تاريخ مايزيد عن 200 عام لأبوظبي. وذلك بعد أعمال ترميم استغرقت 11 عاماً، أشرفت عليها “دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي”، التي عملت على تطوير الحصن مع الحفاظ على معالمه. وشمل مشروع الترميم: قصر الحصن، والمجمع الثقافي، والمجلس الاستشاري الوطني، وبيت الحرفيين.
وتعرض في أروقة القصر مواد أرشيفية وقطع أثرية قديمة تعود إلى 6000 عام مضى، تشمل قطع تم استعارتها من “متحف العين” وقطع من مقتنيات “دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي”، بالإضافة إلى مقتنيات تعود للشيخ شخبوط بن سلطان والشيخ زايد بن سلطان والشيخ زايد الأول.
ومن أبرز المواد المعروضة في المتحف خريطة من أصول إيطالية مهداة للسلطان العثماني سليمان القانوني يعود تايخها لعام 1959، وتحوي اسم بني ياس القبيلة التي تنتمي لها أسرة آل نهيان الحاكمة.
رأيان حول “أقدم المباني وحاضنة التاريخ .. قصر الحصن رمز وطني يتصدر قائمة حصون أبوظبي”