شارع عبدالرحمن مخلوف

يقع شارع عبدالرحمن مخلوف في المنطقة 1 في أبوظبي، وهو يحظى بموقع هام، إذ يتقاطع مع شارع العين وشارع الفلاح، ما يجعله على مقربة من العديد من الدوائر والجهات الحكومية، منها “إدارة مرور أبوظبي”، و”مركز الدفاع المدني”، و”دائرة التنمية الاقتصادية”، كما يحاذي مبنى “بلدية أبوظبي”.

تسمية شارع عبدالرحمن مخلوف

في 26 ديسمبر (كانون الأول) عام 2021 أطلقت حكومة أبوظبي اسم المهندس الراحل عبدالرحمن مخلوف على الشارع المحاذي لمبنى “بلدية أبوظبي”، المعروف مسبقاً باسم “شارع الصوغ”، تقديراً للدور الكبير للمعماري الراحل في وضع حجر الأساس لعمارة أبوظبي، فقد ساهم في رسم أولى المخططات العمرانية للعاصمة، وترك بصمته الخاصة بين أزقة وأحياء هذه المدينة.

حكاية عبدالرحمن مخلوف مع العمارة

بدأت أولى فصول حكاية عبدالرحمن مخلوف مع العمارة حين قرر الالتحاق بكلية الهندسة في “جامعة القاهرة”، وهو القرار الذي اتخذه عقب زيارة قرية عائلته في الصعيد، فراعه حالها وماينقصها من تطوير ورعاية، تلك الزيارة كانت كافية لتعزيز رغبته بدراسة الهندسة علّه يسهم في حل أزمات سكان القرى المصرية، ويساعد في إعادة تنظيمها، إلا أنه لم يعلم حينها أن هذه الرغبة ستفتح له أبواب دولية وتتيح له المجال ليترك بصمة عمرانية في العديد من الدول العربية.

لم يكتفِ مخلوف بشهادة المرحلة الجامعية الأولى بل زاد نهمه أكثر للتعرف على تفاصيل العمارة وعقب حصوله على الماجستير، حزم أمره بالتوجه لـ”جامعة ميونيخ” الألمانية للحصول على دكتوراه في الهندسة المعمارية، كانت ألمانيا حينها تشهد أولى مراحل إعمارها بعد أن أنهكتها الحرب العالمية الثانية كغيرها من الدول الأوروبية. وجود مخلوف في ألمانيا آنذاك مكّنه من معايشة تفاصيل النهضة العمرانية الأوروبية والتي نقلها إلى الدول العربية بعد حصوله عام1957 على الدكتوراه في الهندسة المعمارية.

نصف قرن مع تخطيط المدن

كخبير لتخطيط المدن في “منظمة الأمم المتحدة” بدأ مخلوف حياته العملية في عالم العمارة، محولاً محصلة دراسته الأكاديمية وملاحظاته خلال الأعوام السابقة لإنجازات فعلية أخذت تكبر مع مرور الوقت، وأخذ يترجم معرفته لواقع ملموس فساهم في العديد من المشروعات في بلده مصر، بالإضافة إلى دول عربية أخرى والبداية كانت من السعودية عام 1959 والتي عمل فيها خبيراً لتخطيط المدن، وشارك خلال هذه الفترة في التطوير الحديث لمكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، ليعود للقاهرة عام 1966 بمنصب مدير إدارة التخطيط العمراني في القاهرة الكبرى، أما النقلة النوعية في مسيرة مخلوف كانت عام 1968 حين حط رحاله في العاصمة أبوظبي ليتولى منصب مدير تخطيط المدن في الإمارة، وليتولى خلال 7 سنوات لاحقة مسؤولية تأسيس دوائر تخطيط المدن في أبوظبي والعين وإعداد المشروعات التفصيلية للمدن الإمارة وتنفيذها، كما أسس عام 1972 “المكتب العربي للتخطيط والعمارة” واستطاع من خلاله إنجاز العديد من المشاريع في الإمارات.

وظّف مخلوف علمه أيضا في المجال الأكاديمي فعمل محاضراً في مادة التخطيط العمراني في كلية الهندسة في “جامعة الإمارات العربية المتحدة” بين 1983 و1985، وعمل قبلها معيداً في “جامعة القاهرة”.

كان مخلوف على مقربة من الشيخ زايد طيلة فترة عمله في أبوظبي وحرص على تجسيد رؤية الشيخ زايد إلى واقعٍ ملموس، وفي حديثه عن النهضة العمرانية في تلك الفترة يقول مخلوف في كتابه “رحلة العمر مع العمران …. نصف قرن من تخطيط المدن” الصادر عام 2016:

“النهضة العمرانية الشاملة اجتماعية وعمرانية وفنية، أرسى دعائمها القائد الملهم الشيخ زايد، فيها إرادة التطور ومواكبة العصر على نحو شامل متكامل يتمثل ذلك فيما لها من أبعاد وجوانب وخلفيات اجتماعية واقتصادية وفنية، الجانب الاجتماعي هو التحدي الحقيقي بالنسبة لأي نهضة ذلك لأن الهدف الرئيسي هو بناء المجتمع”.

لم يكن العمل على عمارة أبوظبي في تلك الفترة عشوائياً، هذا ما أكده عبدالرحمن مخلوف في كتابه، حتى مسميات شوارع أبوظبي كان لها نصيب من الاهتمام والعناية، إذ وثق مخلوف لقائه مع الشيخ زايد في قصر البحر عام 1974 قائلاً:

“كان موضوع اللقاء تسمية الطرق الرئيسة (الشوارع) في أبوظبي. واختار الشيخ زايد الأسماء المعروفة الآن في المدينة، وهي في مجملها ذات دلالات حكيمة: الوفاء للأجداد من آل نهيان.. وتأكيد الإحساس بالمدى الجغرافي لأبوظبي، شوارع مهمة بأسماء أماكن جغرافية: دلما، بني ياس، البطين. ومن المعاني الدالة على أهدافه نحو أبناء وطنه اختياره اسماً فريداً لأحد أهم شوارع أبوظبي (شارع السعادة)، وهذا يذكرني بما قاله أرسطو عن المدينة المثالية؛ أن تكون بجانب تأدية وظيفتها الأساسية: (توفير المأوى والحماية لسكانها) مصدراً لسعادة الإنسان”

طوى عبدالرحمن مخلوف آخر فصول الحكاية في 14 ديسمبر (كانون الأول) 2021، متوفياً عن عمر يناهز 97 عاماً، وما كان موضوع النقاش مع الشيخ زايد في قصر البحر عام 1974 عاد ليحيي اسمه في ذاكرة أبوظبي في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2021 حين حمل أحد شوارع العاصمة اسمه.

أضف تعليق